ما يحدث الآن علي مساحة الدول العربية والاسلامية ..من ثورات سلمية تعبر عن التنفيس للبخار المكتوم داخل المرجل ...ورغبة قوية لدي نخب الشباب في التمرد علي ثقافة حاكمة علي المجتمعات العربية والاسلامية تشيع الاستسلام لثقافة الاستبداد في شتي رمال وجحور ومجتمعات الحياة العربية والاسلامية ..فمازالت ثقافة القبيلة والعائلة وذكور القبيلة تقبل التحكم في صياغة الفرد داخل اطر الثقافة العربية التي تسحق الفرد وتجعله اداة للكبار ولهيمنة القبيلة والتي تصنع في النهاية كيان هلامي يسمي الدولة مع انه علميا وافتراضيا لم تتحول المنطقة العربية الي حالة الدولة كما ظهرت في اوروبا فمازلنا نرزخ تحت كيانات قبلية واماراتية وسلطانية و(الحاكم الأله) النظرية التي صاغت حياتنا السياسية والثقافية وانتاجها من ثقافة الخضوع المذل للقبيلة وللعائلة ويصير الانسان مجرد اداة وظيفية تسحق لصالح سلطة تلك الكيانات والدفاع عنها والموت في سبيلها ...
منذ حروب" الجمل وصفين " وانتهاء التجربة السياسية الرائدة في فترة الخلفاء الراشدين ...وبدءا من استيلاء الامويين علي الحكم والحكم بالسيف اوبالدنانيرالذهبية صارت المجتمعات ذاهلة عن طبيعتها الانسانية وحتي اليوم صارت المجتمعات العربية تسلم للحكام منذ الامويين امور السياسة والحكم ولا تعتبر انه من حقها ممارسة السياسة وانما هي مجرد (رعية كالغنم ) استرعي عليها الرعاة من الحكام ولا قبل لقطيع الغنم ان يسائل حكامه عن حياته وسياسته وحتي محاسبته وبذلك تم تحريم السياسة الي اليوم وتم الركون الي السلبية واعتبار ان دور الناس في تلك الحالة فقط الدعاء للحكام وان ظلم الحكام لهم انما عقوبة عجلت لهم بسبب ذنوبهم فعليهم التوبة من الذنوب لينصلح حال الحكام واصبحت تلك الثقافة مشرعنة ومدجنة في كل الانتاج الفقهي والثقافي حتي كتب الفقه كانت ظلا لتلك الروح المستبدة فالحاكم هو ظل الله في الارض ولا يجوز الخروج عليه لان ذلك فتنة وعليهم ان يقبلوا الصلاة خلفه والتي تعني ايضا الانقياد السياسي ويطيعوه مادام يقيم الصلاة لا اي شيء آخر ..وفي آراء اخري حتي ولم لم يقيم الصلاة لايجوز الخروج عليه...ومع ان تلك الآراء ليست دين يتقرب به الي الله وانما هي اراء شخصية لاتلزم احدا ولا تصل الي مستوي النصوانما ايضا هي روح سياسية تجاوبت اما نفاقا للحكام وتملقا لدنانيرهم او عند الصالحين من العلماء خوفا وتقية من الهلكة والضرر للنفس والمال والاولاد وحتي تقريبا كل كتب الفقه التي تم انتاجها في كل تلك القرون لم تقترب من بعيد او قريب من امور السياسة والحكم لانه كان محظورا عليهم ارتياد تلك المناطق الخطرة والملغمة ولم تشهد المكتبة الاسلامية انتاجا ثقافيا مميزا لعلوم السياسة اللهم الا بعض الفتات مثل كتاب ابن تيمية السياسة الشرعية وكتاب الاحكام السلطانية للماوردي وحتي هذا عرٌف الحكم تجاوبا مع الوضع المستبد القائم ولم يتناول رؤية جديدة للثقافة السياسية وحتي بعض العلماء لم يعرف عنهم الا قليلا مقاومتهم للاستبداد مثل الامام مالك وغيره الذي وقف ضد المعتصم في ارادته لاجبار الدولة الاسلامية علي الاخذ بكتاب الموطأ له..
وحتي موقعة الجمل التي قام بها الحزب الوطني وفلول امن الدولة لاجهاض ثورة 25 يناير التي قام بها شباب الفيس بوك الذي انطلق من ارضية ثقافية مغايرة للاوضاع المتوارثة وتربي الشباب في صفحات الفيس بوك علي الحوار والتمرد حتي عبأ نفسه بالتمرد وروح الثورة علي ثقافة المجتمعات العربية التي تعطي للحاكم الفرد وعائلته وضعا الهيا ويدين له بالتبعية كل افراد ومؤسسات وعائلات المجتمع لانهم يطبقون نفس ثقافة الحكام المستبدة في شتي الوان حياتهم فكل اسرة وعائلة ومدرسة ومصنع وجامعة يحكمها مستبد صغير لايقبل المعارضة له او مخالفة امره وحتي اصغر وحدة في المجتمع وهي الاسرة عبارة عن مصنع استبداد صغير يخرج المستبدين ويضخهم الي كل خلايا المجتمع...اخيار تمرد شباب الفيس بوك علي تلك الروح وكانوا في البداية عرضة لسخرية "وتريقة " واستهزاء المجتمع واستهزاء كباره منهم لكن تلك الوسيلة الجهنمية وهي الفيس بوك وتويتر اتاحت لهؤلاء الشباب التحضير ثقافيا منذ سنوات لتعبئتهم بروح التمرد والثورة ليست علي الحكام فقط ولكن علي قيم المجتمع الابوي والكهنوتي والتي تحكم عالمنا العربي والاسلامي باقتدار ..وحتي العالم كله قد تغير بعد انهيار سور برلين سنة 1989 الا عالمنا العربي والاسلامي لم تنهض فيه وتعمل قيم الديمقراطية الغربية والتي انتجها الغرب خلال تاريخه الطويل ولم تقبلها التربة العربية بسبب المعتقدات والثقافة المتوارثة وحتي اصلاحيي الداخل من العلماء مثل محمد عبده ومالك بن نبي تم وأد افكارهم واطروحاتهم لصالح السلفية الفكرية والدينية والتي طرحت تيارات وجماعات تبنت الفكر السلفي ورفضت قيم الحضارة الحديثة لاسباب دينية من وجهة نظرهم مع ان الدين الاسلامي العظيم لا يتعارض مع القيم الديمقراطية والليبرالية وكان ديننا العظيم يستحق ان يستخرج من طياته قيم ثورية تعالج كل الاوضاع المزرية التي اصابتنا طوال قرون واوصلتنا الي هذا الانحدار الحضاري والذي اخرجنا من الصدارة الي التخلف والقهقري وللاسف حتي الجماعات والتيارات الاسلامية كانت ابنا شرعيا لتلك الثقافة المتوارثة وبنت تنظيماتها داخليا علي الاستبداد والقهر وتحريم المعارضة والرأي الاخر وفصل اي عضو لايلتزم بأفكار التنظيم المنتجة بشريا بل وتعتبر تلك التنظيمات شبيهة بالفاشية والنازية ولم تقبل الآخر داخلها أوخارجها ..الا بعض محاولات رصينة نجحت في اقامة تجارب عصرنة وحديثة تتبني الاسلام الحضاري مثل تجربة محمد مهاتير في ماليزيا وتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا ..
الآن بعد بزوغ فجر جديد علي العالم الاسلامي والعربي بعد ثورات الياسمين وبزوغ ثقافة جديدة تجعل الشعوب تخرج من صمتها التاريخي وتحريم السياسة الي ممارسة رصينة للسياسة وتتدرب علي حقها في مقاومة الظلم والاستبداد ايا كان ..
هل ستنجح تلك الثورات في تبني قيم جديدة للعصرنة والحضارة والحرية والديمقراطية وتقبل بقيم التسامح والحوار وحرية الخلاف والاختلاف السياسي والفكري ..مما يمهد لانجاز حضارة شرقية تعيد لمنطقتنا دورها العالمي لتقود العالم مرة اخري ....!!؟؟
كتبه : محمد امام نويرة






















0 التعليقات
إرسال تعليق